بسم الله الرحمن الرحيم
ذكرى وفاة السيدة الجليلة فاطمة أم البنين عليها السلام
السلام عليكم و رحمة الله و بركاته
لقد شاء الله ان تأتي إلى هذه الدنيا السيدة الفاضلة زوجة مولى الموحدين الإمام علي بن أبي طالب (ع)، السيدة ام البنين، تأتي لتكون على رأس قافلة حاملة لأثقال المعاني وأعباء المسؤولية وأرجاء القيم، تأتي لتصافح بيديها، كف الإباء وساعد الوفاء وراحة الإخلاص، ولتكون صفحة علوية أخرى من صفحات الود والحب والشوق لهذا البيت.
حقا لقد أصبحت فاطمة بنت حزام الكلابية نعم الهبة الإلهية والمائدة الربانية للإمام علي فلقد داعبت جرحه ورافقت قلبه واحضنت رسالته وقبلت ولايته، وناصرت ودائعه وعانقت فواجعه، فأصبحت عن طريق التأنيث نعم الطراز الذي ليس له حتى في الرجال من مثيل ولافي المراجل من نظير، قال الشاعر:
كم نساء عرفناهن رجالا - - - - ورجال قد عرفناهم نساءا
بعد هذا الدخول المتواضع في ساحة ام البنين ,,,
هذه النبذة من حياتها، والتي قلما اجتمعت في رجال المبدأ ونساء الفضيلة وهيهات ان نحاط بكل كنهها.
تتصل السيدة ام البنين لأصول عربية عريقة لها وزنها في التاريخ، سواء عن طريق الأب أو الأم، فلقد تركت عراقتها وبصمات الفروسية وآثار البطولة عند هذه السيدة فنشأت في بيئة رفيعة وعريقة وشريفة تنتسب لأشرف قبيلة، ومن هنا شاء القدر ان تكون زوجة للإمام علي بعد ان طلب الإمام من أخيه عقيل ان يخطب له إمرأة من فحول العرب ليتزوجها، لتلد له غلاما شجاعا ينصر أخاه الحسين في كربلاء، فدله عقيل إلى أم البنين، فمشت إلى الإمام علي عروسا ذات نبل وشرف وفضيلة وشريكا صاحب شجاعة وكرامة ومنزلة، ليحتميا في عش إلهي ويلتقيا في عرق نقوي ويندغما في تأس شفيف ويندمجا في شوق رهيف، لينجبا وليخرجا أولادا ميامين وأبطالا باسلين وشجعانا يضرب بهم المثل الأعلى في الذود عن بيضة الإسلام والتضحية لثالث إمام وأخ همام للحسين (عليه السلام) فكان الرزق مباركا بهؤلاء الأربعة وهم: العباس وعبد الله وجعفر وعثمان، الذين استشهدوا دون ذل وخنوع وبكرامة وشموخ في معركة الطف الدامية مع امامهم واخيهم الحسين وأهل بيته (ع).
وبإستشهادهم ضربوا أروع صور التفاني والتفادي بالولاء لإمامهم، محققين مراد أبيهم علي (ع) ومشيدين نهج الأخوة الصالحة والسليمة والتي كانت الأمة تفتقر ليومنا هذا بأمثالها وان عد لهذه الروح من فضل وشرف وعزة وهذا يرجع إلى النشأة الورعة التي أولتها لهم أمهم ام البنين، فكانت في حياتهم وامامهم تولي جل اهتمامها وإعتنائها لسبطي الرسول الحسنين (ع) عارضة حبها لهما ومجبرة كسرهما بفقدان أمهما الزهراء (ع)، بالصبر والتسلي والتكريم والتعظيم.
وتظل تسجل لأولاد الزهراء ذاك الحب اللامتناهي حتى بعد شهادة الحسين، فيوم وصول ناعي الحسين للمدينة مخبرا أهلها بالفاجعة والكارثة التي مرت على آل الرسول بالطف كانت ام البنين أول من إطلع على الأمر العظيم والخطب الأليم فإستقبلت ناعي الحسين، بشر بن حذلم، سائلة إياه: أخبرني عن الحسين، فظل الناعي يعزي الأم المفجوعة بأولادها الأربعة واحدا تلو الآخر، بينما ام البنين تسأله أخبرني عن الحسين، أهو حي ام لا؟ فلما أخبرها بشر بمقتل الحسين، نادت: وا حسيناه، وا حبيباه وا ولداه وا عزيزاه.
فظلت تندبه صباح ومساء، ليس كذكر أولادها الأربعة وهذا منتهى إخلاصها لفلذات كبد الزهراء والرسول ومنتهى ثورتها ضد الأمويين الطغاة، ولاء ووفاء لا نظير لهما في قاموس الإنسانية. وإخلاص وإيمان لإمام زمانها، بحيث يعجز القلم عن وصفهما.
وبجانب هذا الموقف المشرف، وقبله نرى أم البنين تخاطب أمير المؤمنين (ع) طالبة منه ان يغير إسمها (فاطمة)، قائلة له: انا أطلب منك ان تغير إسمي، لأنك حينما تناديني فاطمة، أرى الإنكسار والألم باديا على وجوه أولاد الزهراء (فاطمة) فإنهم يذكرونها بحرقة، فما كان الإمام علي (ع) الا ان يغير إسمها بأم البنين يعني ام الأولاد.
لقد ترعرعت هذه الأم المثالية على الورع والتقوى والزهد والحكمة وكانت على سر آبائها من بني كلاب الموصوفين بالشجاعة والبطولة والفروسية مما تركت آثارها على الأولاد الأربعة الذين ما غرتهم المغريات المادية والميول العاطفية، فهذا شمر بن ذي الجوشن الذي ينتمي لهم بنسب قبلي صاح بهم في يوم عاشوراء: أين بنو اختنا، ليقدم لهم الأمان والخلاص من الموت والمصيبة العظمى فصاح بوجهه العباس بقسوة قائلا: ألنا الأمان يا شمر وإبن بنت رسول الله لا أمان له، لاشك ان هذه القيم النبيلة واحدة مما تركتها الأم المجاهدة في أولادها، وكان العباس أنفسهم شأنا وأرفعهم فخرا وأربطهم جأشا.
ولأم البنين أدب رقراق مصبوغ بالرثاء جسدته بعد واقعة عاشوراء، يرمز إلى وقع الفاجعة، ومن قولها.
لا تدعوني ويك أم البنـين - - - تذكريني بليـوث العـريـن
كانت لي بنون أدعى بهـم - - - واليوم أصبحت ولا من بنـين
أربعة مثل نسـور الـربى - - - قد واصلوا الموت بقطع الوتين
تنازع الخرصان أشلاءهـم - - - فكلهم أمسى صريعاً طعـين
يا ليت شعري أكما أخبروا - - - بأن عباسـاً قطيـع اليمـين
أما ولادتها (ع) في 5هـ ووفاتها في 13 جمادي الثاني لعام 64هـ، وكراماتها جمة عند الله، أعطاها الله إليها بعد تقديمها أولادها فداء وقرابين لآل الله، ولقد لمسها الكثير ممن أصيب الخطوب والهموم وكراماتها هي إمتداد لآلاف المعاجز والخوارق التي ظهرت عن آل بيت الرسول، حتى ذاع فضلها في الكثير من المحافل والمواطن، فرحمها الله على عطائها ووفائها العظيمين، قال الشاعر:
أم البنين وما أسمى مزاياك -- خلدت بالصبر والإيمان ذكراك
أبناؤك الغر في يوم الطفوف قضوا - - - وضمخوا في ثراها بالدم الزاكي
وقلت قولتك العظمى التي خلدت - - - إلى القيامة باق عطرها الزاكي
افدي بروحي وأبنائي الحسين إذا - - - عاش الحسين قرير العين مولاك
******
ببالغ الحزن والأسى نتقدم بخطوات خجلة وبقلوب ملئ بالحزن لنرفع أحر التعازي لسيدي ومولاي صاحب
العصر والزمان روحي وأرواح العالمين له الفداء بالذكرى الحزينة لوفاة
السيدة الجليلة وباب الحوائج أم العباس
السيدة فاطمة بنت حزام الكلابية أم البنين عليها السلام
عظم الله أجوركم وأحسن الله العزاء لكم